بين غزوة بدر و ويكيليكس.. هل نستفيد؟

“جاءت المعونة” جملة تقال بحسرة من الباحثين والمختصين في دولة عربية، مع كل دعم بحثي قادم من دولة متقدمة، ولكن ليس لهم الخيار في تحديد أي حقل بحثي ستدعمه المعونة.. هذه المعونة والتي جاءت مع مطلع هذه الألفية مثل غيرها، تحدد المجال البحثي المدعوم سابقاً، وهذه المرة سيكون عن المياه، وهنا لا نستغرب مثل هذا الطلب إذا علمنا أن الحرب القادمة هي حرب مياه، فالدول المتقدمة تخطط لأزمنة بعيدة، وتريد أن تعلم أين توجد كل مضخة ماء في العالم؟..

ولو تذكرنا غزوة بدر، لعرفنا كيف استطاع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من الانتصار على جيش مكتمل العدة والعتاد، مقابل لواء إسلامي بسيط العدة والعتاد، ولا أتكلم هنا عن المعجزات القرآنية، وإنما أتكلم عن التخطيط للمعركة وقراءة وضع الخصم ومن ثم السيطرة على آبار الماء، فكانت هذه الخطوة هي شرارة الانتصار الأولى..

إنها المعلومة متى ما عرفناها وحصلنا عليها، وأحسنا قراءتها، استطعنا أن نحقق الانتصار، وفي غزوة بدر عرف رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، معلومات مختلفة عن المكان ومصادر المياه وتعداد العدو بالإضافة إلى الاستشارة الصادقة من المعاونين من الصحابة رضوان الله عليهم، فخرج جند الله بأقل عدد من الخسائر 14 شهيداً، مقابل 70 قتيلاً من العدو..

إنها المعلومة.. ونحن في عصرها، فكل شيء حولنا ينشرها، والحصول عليها أصبح أكثر سهولة، فمن خلال الإنترنت استطيع التعرف على التفاصيل الدقيقة لأي شارع في العالم، المحلات التجارية فيه، والنشاطات التي تقدمها، وعدد المساكن عليه، والمخارج والمداخل للشارع، وربما استطيع أن أشاهد بث مباشر له، ومعرفة متى سيكون مزدحم، واستطيع أيضاً معرفة الطقس في المدينة التي فيها الشارع، نعم سلسلة لا متناهية من المعلومات، ومع ذلك لا نعرف كيف نستفيد منها..

ليس الغرض من الحصول على المعلومة هو القيام بحرب ما، فالحروب القادمة لن تكون نووية أو جرثومية من وجهة نظري، وإنما ستكون معلوماتية، فمن خلال المعلومة استطيع أن أضرب أي دولة بأقل الخسائر، وهذا ما فعله موقع ويكيليكس، ضرب الولايات المتحدة الأمريكية بقوة وبعنف، ولكن بدون أسحلة، وإنما ضربها في دبلوماسيتها عن طريق المعلومة، بغض النظر كيف حصل عليها، وبغض النظر عن طريقة الحصول عليها سواءً بالتسريب أو الاختراق، إلا أنه أجاد في طريقة النشر وإيصال المعلومة إلى أقصى مدى..

لم يكتفي ويكيليكس بنشر المعلومة على الإنترنت وإنما اتفق مع خمس صحف عالمية شهيرة وهي (نيويورك تايمز الأمريكية، الغارديان البريطانية، إل بايس الإسبانية، دير شبيغل الألمانية، لوموند الفرنسية)، للمشاركه في نشر وتحليل المعلومات، وهو بذلك يستهدف جميع المناطق حول العالم وجميع الفئات السنية، فالدولة التي تمارس العنف على وسائل الإعلام من خلال تقييد حرية النشر حصل سكانها على المعلومة من خلال الإنترنت، وأما الذين لا تستهويهم الإنترنت فوسائل الإعلام من صحافة وفضائيات، نقلت لهم المعلومة بتجرد من خلال خمس صحف عالمية، فكانت الضربة الموجعة من ويكيليكس ليس للولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما لكل سياسات العالم..

فضحت ويكيليكس الدبلوماسية الأمريكية، وأوضحت للعالم أجمع أن خلف هذا المنبر الدبلوماسي أناس يعرفون معلومات تفصيلية عن دولة بذاتها، وقائد بعينه، ومنطقة برمتها، ويجيدون التعامل معهم وفق هذه المعلومة، وحتى عندما يمتنعون عن تقديم إجابة ما، فهم يعرفون أن هناك معلومة بحاجة ليبحثوا عنها، ولم تفضح وثائق ويكيليكس فقط الدبلوماسية الأمريكية، بل فضحتنا نحن وبينت للعالم مدى جهلنا في التعامل مع المعلومة، والتندر بها وبمحتواها..

نعم حقق المسلمون الأوائل ثورة علمية وعسكرية بوجود المعلومة، وبعد أن تخلو عن المعلومة استطاع الغرب أن يجني رحيقها، ويحقق الانتصار الأعظم، بينما نحن الآن نتعامل مع المعلومة بكل برود وبدون أن تصنع لنا الإنجاز..

شكراً ويكيليكس فقد قدمتي الدرس في استثمار المعلومة.. ولكن من يستفيد؟!..

بالتزامن مع موقع المفكرة الإعلامية..

قارئ واحد معجب بالتدوينة.

أعجبتني

غير معجب