عمشا في رمضان..

منذ بدأ رمضان وهي في عراك مع ذاتها، لم تستطع النوم، ولم تستطع حتى التفرغ للعبادة، بطنها بدأ بالتكور، معلناً عن انتصاف مدة الحمل، تذكرت صاحبتها وهي تقول أن هذا الشهر يعتبر أحد الأشهر الذهبية في فترة الحمل، لأنك لا تعانين من الوحم ولا من الثقل، ولكن هذا لا يعني أن ترهق نفسها بهذه الطريقة..

عدم تقبل زوج عمشا لفكرة إحضار خادمة، ووضعه لمبدأ العيب أمامهم إذا طلبت هي المساعدة، هو ما أوصل عمشا إلى هذا المنعطف الخطر، أخذ منها التعب والإرهاق كل مأخذ، فجدولها اليومي يبدأ من المطبخ وينتهي في المطبخ، بين طبخ ونفخ وتنظيف، وليتها بعد ذلك تسلم من الانتقادات فهذا الطبق ملحه قليل، والآخر ملحه زيادة، والسمبوسة دهنها كثير، كل هذه الانتقادات وهو لا يأكل فأغلب الأطباق تعود مكتظة بما لذ وطاب، فبعد أن يأكل ما قدر له، يتكي جانباً وقد وضع سروال السنة تحت كرشه حتى يعطيها مجال أوسع، وبعد ذلك يقلب جهاز التحكم فمن “غشمشم” إلى “كلنا عيال قرية” إلى “بيني وبينك”، وهي في عراكها اليومي مع تنظيف الأطباق، ولا يقطع هذا العراك إلا صوت شخيره..
تحاول عمشا تصبير النفس على ما وصل له حالها، لم يكن أكثر المتشائمين في الفصل عندما كانت طالبه يتوقع أن يصل حالها إلى هذا الحال، فمن جدها واجتهادها توقع لها زملائها أن تكون طبيبة أو على أقل تقدير مدرسة، ولكن أباها سمع ذلك الصوت الثائر من غبار الماضي، وتراب التخلف، ولعنة العادات والتقاليد، أصر على أن تترك الحلم وتقبع في البيت بانتظار النصيب، وليت النصيب كان جميلاً..
كم تمنت عمشا أن تهرب من واقعها المرير، إلى واقع أجمل، ومستقبل مشرق، كم تمنت لو أنها ولدت لأب حجازي، حتى تتحرر من كل هذه القيود، ومن كل هذه الآهات..
على صوت الصراخ استيقظ مناحي من نومه العميق تلفت إلى اليمين تارة، وإلى اليسار تارة أخرى، يبحث عن مصدر الصوت، إلى أن استوعب أنه صوت زوجته عمشا، من عند باب المطبخ هي ممده وممسكه ببطنها وتصرخ، وهو يرمقها بنظرة استياء، ويعاتبها على توقيتها السيئة للولادة..
في المشفى فقدت عمشا طفلها الذي كانت تتمنى أن يعوضها عن كل الآلام التي واجهتها، عن كل المصائب التي عانت منها، أجهشت في البكاء فلم تكن تتوقع أنه لن يكمل الشهر الرابع في بطنها..

سجل أعجابك

أعجبتني

غير معجب