دلفت لحجرتها تنظر لجهازها من بعيد، لم تعد تطيق استخدامه، مع أنها كانت من اشد المتحمسين له، رمقته بعين ملؤها الأسى، فهذا الجهاز أصبح كاشف أسرارها، كم ينرفزها أن تمسك به وتقرأ ما يكتب غيرها؟، كم يزعجها أن تعرف مكان وجود صديقتها؟، أصبح هذا الجهاز ناقل الأخبار الرئيسي لها، ويغنيها عن جلسات النساء، إلا أنها تكرهه..
تنهدت بعمق وأمسكت جهاز البلاك بيري، يا له من جهاز، على صغر حجمه إلا أنه يأتيها بالجديد، تقرأ محتوياته بامتعاض، وتود أن تقذف به في أقرب مكب للنفايات، وترتاع عندما تطلع على أسرار غيرها، إلا أن ما يواسيها أنها تطلع على الأسرار برضى أصحابها..
“كم أنت جميل أيها البلاك بيري؟”.. هكذا قالت بعد أن تحاورت مع صديقاتها، وعرفت أماكن تواجدهن وأطلعت على صور جلساتهن، يبدوا أنها لم تعد حانقة عليه، بل أصبحت الآن في قمة السعادة لامتلاكها مثل هذا الجهاز..
وضعت رأسها على الوسادة، وهي تتأمل كيف أنها تتحاور مع صديقاتها بدون أن يلتقين؟، وتحمد ربها ألف مره أنها لم تعش في زمن أمها وجدتها، قعدت ونفثت عن يسارها ثلاث مرات، تأكدت أنه ليسَ كابوساً، فلن تستطيع تخيل أنها تعيش في ذلك الزمن، تذكرت رحيل لاعبها المفضل إلى ناد آخر، وأجهشت بالبكاء.. إلى أن استسلمت للنوم..
ذات السيناريو الممل كل ليلة، تمسك البلاك بيري، وترى ذات المكان الذي كانت فيه زميلتها شذا بالأمس، تجلس فيه خوله اليوم، وصورة الطلب التي وضعته ضحى قبل يومين، تضعه سارة اليوم، وكأن النساء لم يخلقن إلا للتنافس فيما بينهن على زيارة الأماكن ذاتها، وطلب نفس الطلبات..
زفرت من أعماقها، أحاديثها مع البنات لم تعد بتيك الأحاديث الممتعة، لم تعد تطيق الأحاديث عن الفساتين، والإكسسوارات، والموضة، باتت تكره حياة البنات، “ليتني كنت رجل” هكذا كانت أمنيتها قبل أن ترمي بجهاز البلاك بيري وتزيله من عالمها..
ومرت الساعات تشعر براحة عارمة تجتاحها بعد أن أزالت هذا المأفون من حياتها، إلا إنها بدأت تفقد أهم عنصر في حياتها كأمرأة، لم تعد تعرف الجديد، لم تعد تطلع على أسرار غيرها، تذكرت جلسة “أم صويلح” الصباحية، وحزمة الكراث التي كل ما رأت جاراتها يتانوبن على الإجترار منها، لعنت نفسها وكرهت كونها أنثى..
لم يعيب السيد “باباي” أكله للسبانخ، بل أُنتج له مسلسل كرتوني، وأصبح بطلاً يعيد “زيتونة” إلى حضنه كلما أراد “بروتوس” أن يغويها عن جادة الصواب، فلماذا أعيب على الصبايا تناولهن للكراث؟، عندما كن يتناولنه سابقاً كن أقوى وكان لهن أحترامهن وهيبتهن، أم الآن بعد أن أبدلنه بالفطائر والبيتيفور وأطباق الحلى، أصبحن لا حول لهن ولا قوة..
كم تود أن تتحاور مع رجل، وتدمغه بالحجة، وتكشف له زيف ادعاءه حول أنها كائن ضعيف، يمنعها من قيادة السيارة، ويفرض وصايته عليها، ستأخذ حقها منه حتى لو إنتهكت النظام، ستذهب لتقود سيارة زوجها في يوم الجمعة فلا أحد سينتبه لها، إنه يوم إجازة والكل نائمون إلى صلاة الجمعة..
أبتسامة الطمائنينة ظهرت آثارها على وجهها، هي ما تزال في الغرفة، لم يطلع على أفكارها أحد، نبشت سلة المهملات، إلى أن وجدت جهاز البلاك بيري، طبعت قبلة على شاشته، وعادت لتحادث زميلاتها، وهي تحمد الله أنها أنثى..
* مصدر الصورة جريدة المدينة
مراحب يالغالي
بصراحة ذبحنا البلاك بيري ياخي جنن الناس وصار ما احد فاضي لك …