بمجرد أن تستمع للرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يقول “الاقتصاد الأمريكي هش”، يستدعي عقلك الباطن ألف سؤال وسؤال باستغراب تام، فأمريكا التي تتحكم بمصير العالم، وتدعم الحروب بمليارات الدولارات فاشلة اقتصادياً، لا شك أن هذه الجملة تشكك في قدرتنا على الاستيعاب، فنحن متيقنون أن الاقتصاد الأمريكي ينتعش خلال الحروب، وأمريكا منذ أحداث 11 سبتمبر في حرب ضد الإرهاب كما تزعم، وهذه الحرب لا تعرف فيها من هو الإرهابي، فالفريق الأول يحارب دولة مستعين بكل الطرق الممكنة، أما الفريق الثاني فيحارب تنظيم لا يدري أين مكانه ولا من هم أتباعه، المهم أن يقضي عليه حتى لو كان ذلك على جثث الأطفال، وبالفعل كانت كذلك.
وصف السيد أوباما في السابع من أكتوبر الماضي طريقة تعامل بعض الأشخاص خلال الأزمة المالية الأخيرة بالعمل غير الأخلاقي والمتهور وغير المسئول ولكن في إطار قانوني، ولعل هذا الحديث كما أراه دعاية انتخابية جديدة، فأوباما الذي مدد للخطة التي أقرها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن والقاضية بإعفاء الأغنياء من الضرائب، بدون مراعاة لانتهاك حقوق البشر، وكرامة الإنسانية، ولا حتى مراعاة لمشاعر البسطاء من الشعب، فالمال بالتمديد هذا يستقطع من الفقير ويترك الغني ليعبث بشهوته، على حساب طعام وكسوة الفقير، وربما تكون عبارة أوباما وسيلة ضغط أخرى على الناخبين ليكون شعار حملته الانتخابية القادمة ضد الأغنياء ومع البسطاء.
في نيويورك عاصمة المال والأعمال، وفي 17 سبتمبر الماضي تحديداً تحركت حملة “احتلوا وول ستريت” لتقول فقط أن 99% من الأمريكيين هم أيضاً بشر، ولكن ماذا بشأن الواحد بالمائة المتبقية، أو البشر الحقيقيون إن صح التعبير، فهم أصحاب الأموال بل أصحاب الثراء الفاحش فقط، وما دفع هذه الثورة للقيام هو الرغبة بعدم تسلط القطاع المالي والبنوك على أرزاقهم، فهم يزعمون أن خطط إنقاذ البنوك تقدر بالمليارات، لتعود هذه البنوك مجدداً بالحصول على الأرباح الهائلة من المواطن العادي والذي عانى الأمرين من زيادة الغلاء، والبطالة، وتدهور الحالة الاقتصادية، ولم يدعم بدولار واحد.
هذه الحراك ولا أدري هل نسميه ثورة أم لا، يزعم المنظمين لها مؤسسة “أدباسترز” الإعلامية أنها استلهمت فكرتها من الربيع العربي، وتستهدف وكر الرأسمالية في نيويورك، وتريد إسقاطها، يبرر فعلها أن الرأسمالية تنزع إلى قيام الحروب من أجل فتح أسواق جديدة للشركات، وأيضاً توجيه نظر العالم إلى ممارسات صناع الاقتصاد في شارع المال والأعمال “وول ستريت”، ونقل هذا الحراك إلى مدن أخرى داخل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، وبالفعل أنتقل الحراك إلى ألمانيا وأستراليا، إلى أن أخلت الشرطة الأمريكية بالعنف في 18 نوفمبر الحالي خيام المتظاهرين في وول ستريت.
المحور الأساسي التي قامت عليه الثورات العربية والتي بدأت من تونس هو الاقتصاد وغلاء المعيشة والبطالة والفساد، وهي ذاتها التي قامت في وول ستريت، فمع الأزمة المالية العالمية تضخمت الأسعار بشكل مبالغ فيه جداً، في حين أن الإنعاش الاقتصادي الحكومي صب في مصلحة الشركات والبنوك والأغنياء، وبقى الشعب يعاني من تأمين أبسط احتياجات الحياة الكريمة، ورافق ذلك جشع أصحاب الأموال ومغالاتهم في الأسعار على هؤلاء المساكين، وإذا استمرت زيادة الأسعار بهذا الشكل ولم تتراجع، سنرى تحركات أخرى ستكلفنا كثيراً.
المتأمل في التباين الكبير بين الشيوعية والرأسمالية، يرى كيف سقطت أكبر دولة تنتهج الشيوعية وهي التي تقوم على مبدأ التساوي بين أفراد المجتمع في المزايا والممتلكات وتكريس مفهوم الحد من الملكية، وذلك غير مناسبة للحياة الآدمية، فالإنسان بطبعة يميل إلى التملك وحب الثراء، بينما تدعو الرأسمالية إلى الملكية الخاصة أو ملكية الشركات وهذا ساعد ما نسبته 1%من سكان أمريكا على الثراء الفاحش، بينما النسبة الباقية والأغلبية الساحقة تستنزف جيوبهم بتكرار الاقتراض، وتسلب منازلهم بأقساط الرهن العقاري والتي كانت الشرارة الأولى للأزمة المالية العالمية الحالية، فهل نشاهد سقوط الولايات المتحدة الأمريكية أكبر معاقل الرأسمالية كما سقطت روسيا الشيوعية من قبلها.
قادم الأيام ستكشف الكثير..
شكراً على هذا الطرح ولكن ما البديل اذا سقطت الرأسماليه وما موقفنا من ذلك وما هو درجة تأثرنا في الخليج والوطن العربي واعتقد ان سقوط امريكا سيخلق فراغ سياسي كبير لا يمكن ملؤه ، وهل من مصلحتنا ان تسقط امريكا، وهناك من يعتقد ان الحل هو في قيام نظام مالي اسلامي وهذا من وجهة نظري صحيح ولكن اين هو النظام الاسلامي الذي يمكن تقديمه الى العالم ومن يطبقه مع العلم ان هناك تجارب بنكيه اسلاميه ولكنها تظل محدوده ولعلنا نرى في المستقبل القريب من يقدم مثل هذه التجربه. تحياتي.