أكثر الأمور التي تستدعي التأمل بعد أن اختفت منذ صباح اليوم الأول من رمضان هي تصبيحات المستمعين الصباحية على إذاعات (الإف إم)، فلم نعد نسمع المذيعة وهي تقول “ناصر يصبح على زوجته أروى الجالسة بجواره”، و “منصور يهدي زوجته التي تقوم الآن بأعمال المنزل الأغنية التالية”، أما الأربعاء الماضي فقد كان الإهداء مختلفاً جداً لم اسمعه وإنما تداعياته استمرت مع المستمعين إلى وقت متأخر من الصباح.
الذي حدث أن المستمع نديم أرسل يقول “أصبح على الصبايا الحلوات”، واستمر البرنامج الصباحي على هذا النحو وترديد عبارة “وأنا أيضاً أصبح على الصبايا الحلوات هو نديم أحسن منا”، وفتاة تقول “بما إني صبيه حلوه أصبح على نديم بس”، وتحول البرنامج إلى هرج ومرج وغزل ودلع، وكأن الإذاعة مكان لاستعراض أيهم “يغازل” أفضل.
في العادة نستمع للإذاعة في السيارة لتخفف علينا إزعاج الانتظار في الزحام، ولكن يبدو أن الإذاعة فقدت رصانتها المعهودة، وتحولت إلى سوبر ماركت لعرض الإسفاف وقلة الأدب والثمن رسائل واتصالات المستمعين، ولم يبقى خالي من الإسفاف إلا الإذاعات الدينية فقط.
في أيام دراستي لم يكن هناك تعدد في الإذاعات مثل الآن، ولم يكن هناك وجود لإذاعات الموجة القصيرة (FM)، فكنت صباحاً أستمع لإذاعة الكويت على الموجة الطويلة (AM) وكانت درجة نقاء الصوت مقبول جداً، أما إذاعة الرياض فلم أكن أطيق سماعها وكنت أفضل إذاعة البرنامج الثاني من جده عليها، كانت المواضيع التي تناقش في الإذاعات هادفة، وحتى الأغاني منتقاة بعناية، ما زال يرن في أذني صوت نوال بخش، أما الآن فتعددت الإذاعات وزاد نقاء الصوت ولكن انتهى زمن الجودة.
بعض المستمعين بدأ بالهروب إلى شيء آخر غير الإذاعة، وهو ما يطلق عليه (البودكاست) وربما ما يزعج بهذا الأخير هو عدم المقدرة على تشغيله مباشرة من السيارة بدون وجود ارتباط بالإنترنت، أو تحميل البودكاست في المنزل على أجهزة الآيفون والآيباد ومن ثم سماعها في السيارة.
قبل سنتين أو ثلاث سنوات كان البودكاست والفيديو كاست منتشر فقط بين فئة محدودة من متصفحي الإنترنت، أما اليوم فقد أصبح منتشر لفئة أكثر، صحيح أن انتشاره كان عبر الأجهزة الحاسوبية أو الهواتف النقالة فقط ولم يصل بعد إلى مرحلة الانتشار في السيارة، إلا أن جودة ما يطرح من الشباب والحرية العالية في الطرح هي ما زاد توهج البودكاست وإن كان الفيديو أكثر انتشاراً من الصوتي.
الإذاعات المحلية بتعدد مشاربها إلم تستفيق من غفلتها فلن يكون لها وجود في قادم الأيام، وستتناقص الفئة التي تبحث عن الإهداءات وتلهث خلف الاتصالات رويداً رويدا، ربما لن تنقرض ولكن تناقصها سيؤثر على عدد المستمعين للإذاعات وخاصة الربحية التي تبحث عن المال من ورائهم.
وللحديث بقية..