تسائل أحدهم عن طفولته وقال لماذا لم نكن نحتفل بالقريقعان مثل أطفال هذا الزمان؟، إجابتي عليه كانت محدودة بأنك من نجد ولم يكن في طفولتك مثل هذا، والقريقعان مختص بأهل المنطقة الشرقية والخليج فقط، وما يحدث الآن غزو ثقافي.
لعل إنشار الفضائيات، وتداخل العالم بعد الإنترنت، وألعاب الفيديو، ساهمت بشكل كبير في نقل الكثير من العادات والتقاليد والتقليعات حول العالم، فالقريقعان الذي لم نعهده من قبل في نجد، أصبح جزء لا يتجزأ من حياتي أطفال هذا الزمان، وأصبح الأغلب وليس الجميع يتقبله.
بالأمس القريب وفي طفولتي التي قضيت جلها في الرياض، لم يكن لدينا إلا قناتي تلفاز كما يعلم الجميع، بينما في المنطقة الشرقية كان بث القنوات الخليجية يصل إلى عدد من مدنها، وكذلك في المنطقة الغربية وبالتحديد في جدة كانت القنوات المصرية مشاهدة هناك، وأضف إلى ذلك ما يحدث من تلاقي أفكار بين العالم أجمع وسكان مكة والمدينة وجدة، فالحج لقاء عظيم جداً لم نستفد منه ثقافياً وفكرياً إلى الآن، فهذا جعل التفتح هو السمة الأبرز لسكان هذه المناطق بينما ظلت نجد والقصيم على نفس التفكير والرؤية.
جيل اليوم في المنطقتين (نجد والقصيم) أصبح يتوق لأنفتاح أكثر، لم تعد تستهويه رتابة العيش أو سوء التدبير، فلم يعد يقبل الأفكار الأثرية للأجداد، ولم يعد يرد أن يعيش في جلباب أبيه، حريته التي لم تتجاوز جلسة إستراحة مع الشباب، أو اسم مستعار في منتدى بدأت تطمح لشيء أكثر، أراد أن تنعكس ثقافته على الملا، ويبوح بها رغم أنف الجميع.
نضوج الشباب أيضاً دعى إلى ذلك، فمع فورة الشبكات الاجتماعية، وزوال الجواجز بين الجنسين في هذه الشبكات بعيداً عن رقابة الأهل وأحياناً بموافقتهم، كل هذا جعلت الشباب يرغبوا في مساحة واقعية أكثر للتعبير عن كل ما في خلجات النفس، وليست منحصرة في الإنترنت، أو متقوقعة فقط داخل أسوار الاستراحة أو في دول خليجية قريبة.
القريقعان ليس عادة لسكان الساحل الشرقي إنتقلت إلى نجد، وإنما هو ثورة على الفكر، ورغبة في التحرر من قيود الآباء والأجداد، وتقبل للآخر بالرغم من كل الطائفية التي يتحلى بها مجتمعنا.
القريقعان هو شعار وسمة ورؤية يحاول فيها بعضاً من شبابنا وأطفالنا أن يتحررو من محدودية التقبل، وسوء الظن، إلى مجال أوسع وحرية أعظم وليست فقط حرية الإنترنت، وربما تكون بمباركة من الأهل ممن هم في سن لم يصل بعد إلى الثلاثون.
كل قريقعان وأفكاركم منعتقة..