أمريكا بدون نظام..

من الصعب جداً أن يكون النظام في كل مكان حولنا، أن يتغلل في دواخلنا حتى يصبح جزء منا، يكون هو بمثابة الأنفاس لنا، يكون هو الحياة، النظام شيء صعب جداً تحقيقة، هو جزء أساسي من الحضارة، وبدونة لا نكون متحضرين أبداً.

هذا الهاجس حول النظام أتاني عندما زرت مؤخراً الولايات المتحدة الأمريكية، نعم لقد سقطت من عيني فلم أعد أراها كما في السابق، لم أرى هناك نظام يحترم، ليس معنى ذلك أن نوقف السيارة قبل خط عبور المشاة، أو أن نعبر الطريق كمشاة من الأماكن المخصصة فقط، أو أن نقف في الطابور ولا نأخذ دور غيرنا، بل أن النظام أوسع وأشمل من هذا التصرفات كلها.

النظام كما أحب أن أراه هو شيء يكون في داخلنا يمنعنا من أرتكاب أي فعل يخدش أو يؤذي الطرف المقابل، النظام هو سلوك نتحلى به لينعكس على كل تصرفاتنا في الأماكن العامة، النظام هو أن نحترم أنفسنا قبل أن نحترم القانون.

ليس من النظام أن يتلفظ رجل داكن البشرة مؤتمن على عمله في النقل العام، على راكب أعياه التعب، وجلس ينتظر إلى أن تصل العربة لتقله.

ليس من النظام أن يستغلك قائد أجرة ويأخذ عليك ضريبة عالية لمجرد أنك لا تعرف القوانين، لا تقولوا إنها أمانة، فالأمانة جزء من النظام.

ليس من النظام أن لا تأمن على نفسك بعد العاشرة مساءً.

ليس من النظام أن نخاف لوجود من يطبق القانون، وعندما يغيب نعبث كيفما أتفق وكيفما نشاء بدون أن نخشيء شيء.

نعم النظام هو جزء من الروح لا يتحقق إلا بإندماجه معها وتفوقه على كل شهوتها، هذا هو النظام كما عرفته في اليابان.

مقارنة سأعتبرها ظالمة في حق اليابانين أن يكون هناك تشبيه بين النظام الأمريكي وإنتظامهم، هم لا يخدعون عابر سبيل، ولا يخونون أمانة، ويحققون النظام بدون أن يكون هناك رقيب عليهم، هذا هو النظام كما عرفته عندهم ولم أجده عند غيرهم.

من الصعب الإتيان بمثل اليابان ومن الصعب جداً تحقيق إنجازاتهم في أي مكان آخر في العالم…

إنها الحضارة التي لا يعرفها رعاة البقر.

إنها الحضارة التي لم تفلح الأمة العربية والإسلامية على تقليدها بالرغم من أمتلاكهم مسلمات أقوى حضارة عاشتها البشرية، حضارة رسولنا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.