“ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” الأنفال (46)، هذا هو التوجيه الرباني وإن هو إلا وحي لا ينطق عن الهوى، التوجيه الكريم يحث على التلاحم ووحدة الكلمة، وعدم العمل بشكل فردي، فاليد الواحدة مهما عملت لا تصفق، ولكن في مصر غير ذلك الوحدة ليست هي الهدف، ولا الديمقراطية هي الهدف، الأمر برمته لا يتعدى حدود كلمة “بلطجة” كما يقولها المصريون.
أسقط المصريون رئيسهم في ثورة سلمية وبسرعة، وحكم الجيش واستمر لأشهر ليهتف المصريون “لا لحكم العسكر”، وكانت فترة الانتخابات ولأول مره نشاهد حركة ديمقراطية نزيهة في الوطن العربي، ولم نرى نسبة (99%) التي كنا نشاهدها لسنوات خلت في كل الانتخابات العربية، وفاز مرسي بالأغلبية ورشح رئيساً لمصر، ولكن لم يستمر في الفترة الرئاسية كاملة بل لم يعش يوماً واحداً هانئاً منذ أن أصبح رئيساً، ليعود الشعب ليطالب برحيله ويسقط من جديد ويعود حكم العسكر.
المشهد الديمقراطي في مصر ليس مثالياً كما كنا نطمح، إنما هو تكريس لهمجيتنا كشعوب عربية، كان من الأجدر أن يصافح الخصم والمعارضة الرئيس المنتخب ويبدوا في العمل معاً لتكريس وجه مشرق لمصر، لا أن يتنازع الطرفان ويحرض كل طرف أنصاره على العصيان ونعود إلى دائرة العنف من جديد.
الديمقراطية تكفل لي أن أقول رأيي بكل صراحة، وأن أحصل على حقوقي المدنية في دولة مؤسسات، أقبل فيه القرار بكل سماحة، أو أعلن رفضي ولا يجبرني أحد أن أكون مع التيار، الديمقراطية تعني أن لنا الحق في الاختلاف والاتفاق على أن لا يخرج ذلك عن مصلحة الوطن، ولا تحثني الديمقراطية على فرض الرأي بالقوة وتكريس مبدأ العصيان والعنف، ومن يفهما بهذا المنطلق فهو لا يعي أبعد من شرك نعليه.
للأسف لم يمنح المصريون رئيسهم أن فرصة لكي نرى ما هي إنجازاته، للأسف لم يتحرك صوت العقل، وإنما تحركت كلمة العنف والقوة، وقمع الرأي، للأسف مصر تعود إلى الهواية وتتخلى عن دورها الرائد للعالم العربي.
عندما كانت مصر فرعونية، أخرج فرعونها خير ما في المصريين، فشاهدنا نهضة وحضارة شامخة إلى الآن، تتهاوى البنيان أمامها، والسبب المبدأ الرباني (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، لم يكون التوجيه الرباني بأن نختلف ونحرك القوة، وإنما حثنا على الوحدة والصبر وعدم وضع النزاع هدفاً لنا، وللأسف هذا لم يحدث في مصر وإنما تكريس مبدأ الفرقة داخل الوطن من قبل كبار السياسيين فكيف نثق بهم.
مصر تستمر في غيها ولم يأتي الرجل الحكيم الذي يصنع لها مجدها، وكانت الأنا العليا هي الحاكم والمحكوم، رئيس لم يعطى فرصته في فترة انتخابية كاملة لنرى ماذا يعمل، ومعارضة لا تعمل لمصلحة الوطن، وشعب ليس لديه صبر، وجيش يريد أن يعود للحكم كما كان، فهو من انقلب على الملك فاروق، وهو من انقلب على الرئيس مرسي، والفرق شاسع، فالانقلاب الأول كان لمصلحة البلاد، أما الانقلاب الثاني فكان لمصلحة الأهواء.
صدمني انك تكتب ما تعتقده بتجرد دون الإنجرار لفلول الليبراليين العرب الذين يطالبون بالديموقراطية طالما كانت بيد غير الاسلاميين