جرب أن تهاتف أحد الأقارب، بل أحد أخوتك، وحتى أمك وأباه، ستجد أن الترقب هو سيد الموقف، ستجد أن الكل يريد أن يسأل “ماذا تريد؟”، أو “ماذا بك؟”، أو “ما الذي تغير؟”، وسبب هذه التساؤولات في الغالب يعود إلى أنهم لم يعتادوا منك الحديث، ولم يعتادوا أن تتفقد أحوالهم أو أن تعرف ما يدور لديهم، فالكل تعود على الهجران، واعجبه الهجران من طول صحبته.
الكثير منا أرهقه العمل حتى أصبح من الصعوبة ايجاد وقت لكي نقضيه مع الأبناء أو الأسرة، أو إيجاد وقت لممارسة الحياة العامة بكل تفاصيلها، حتى أصبح العمل هو سيد الموقف، فالتوازن بين العمل والحياة العامة تضفي مزيداً من السعادة، ويزيد ذلك من الترابط الأسري، ويعطي للمنزل بعداً آخر ليصبح بالإمكان ممارسة تربية الأطفال وتحقيق احتياجاتهم.
ومن فوائد تحقيق التوازن بين العمل والمنزل هو توفير فترة للاسترخاء وتصفية الذهن، وهذا بدورة يؤدي إلى زيادة الطاقة الايجابية، ومن ثم رفع الانتاجية لدى الفرد، هذا على صعيد العمل، أما على الصعيد الأسري فهو يمكن من المحافظة على ترابط الأسرة، واستثمار أوقات الأطفال والوقوف على احتياجاتهم، وتوفير جو الترابط في المجتمع بدلاً من الضياع والتفكك التي أصبحت تنهش في مجتمعنا بشكل كبير.
حصر الحياة في العمل فقط، يجلب الكثير من الأمراض على الفرد، لذا لابد أن يكون للانسان حياة متعددة وذات ابعاد مختلفة، فلابد أن يكون هناك بعد للوالدين نكسب فيه الأجر، ويحقق ما أمرنا الدين الحنيف وأوصانا به من بر بالوالدين، وبعد للزوجة والأطفال يعود فيه رب الأسرة لممارسة الطفولة والمراهقة معهم، والتحدث إليهم، واللعب معهم أيضاً، وبعد آخر للأصدقاء يلتقي معهم في جو ودي بعد عن ضوضاء المجتمع، يتذكرون فيه أيام الدراسة أو الأيام الخوالي، وبعد آخر للصحة والإجازة تمارس فيه الرياضة، وتجرى بعض الفحوصات الطبية لمتابعة الصحة العامة.
ليس شرطاً أن تكون ناجحاً في العمل عندما تهجر حياتك الأسرية أو العامة، فإدارة الوقت لا تعني التفريط بين مناحي الحياة المختلفة، وإنما تحقيق التوازن بينها، فالنجاح يبدأ أولاً من تحقيق التوازن بين العمل والأسرة والحياة العامة، وما إن يتحقق هذا التوازن فتأكد أنك استطعت أن تدير وقتك بطريقة متكافأة، وحصلت على المتعة الحقيقية في هذه الحياة.