خلال السنوات العشر الأخيرة تزايد عدد الجامعات الحكومية والأهلية في السعودية، فبعد أن كان عدد الجامعات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وكان تواجد الجامعات متركز في المدن الرئيسية والكبيرة في السعودية فقط، الآن أصبح عدد الجامعات يزيد عن عدد مناطق السعودية، إذ أصبح لدينا عدد 26 جامعة، وعشر جامعات أهلية، وعدد لا بأس به من الكليات هنا وهناك، متوزعة بين جميع مناطق المملكة.
هل العدد كافي؟، بالتأكيد ليس هذا هو السؤال المناسب، فما زلنا بحاجة إلى جامعات أكثر، وإلى التوسع في التعليم العالي بشكل أكبر لضمان رقي المجتمع، ولكن ومع ذلك نحتاج إلى التركيز على الكيف وعلى الرقي بجامعتنا المحلية لتوافق مخرجاتها الجامعات العالمية، وأيضاً نحتاج إلى لترسيخ مفهوم البحث العلمي الذي يدعم النشاطات المحلية لمناطق السعودية.
كل منطقة من مناطق السعودية لديها مقوماتها ومصادر دخلها الخاص، لكن الحياة المدنية جعلت الناس يركضون خلف التمدن، ونسوا مقومات مناطقهم، أعجبتهم حياة المكاتب المريحة، وتغافلوا عن الجذور، والجامعات هي وحدها القادرة على إعادة الناس إلى حياتهم الأولى بمقومات المجتمع الحديث.
لو ركزت الجامعات المحلية على تفعيل البحث العلمي للدرجات العليا بأن يكون لخدمة المنطقة التي تقدم الجامعة خدماتها لها، فمثلاُ لو ركزت جامعة الجوف على الدراسات الخاصة بالتعدين، وكليات جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز بمنطقة الأفلاج على تطوير الثروة الحيوانية، وجامعة تبوك على الثروة الزراعية، وصناعة العطور من الورود، وجامعة الملك خالد في أبها على العمارة والتراث التي تمتاز بها المنطقة الجنوبية، وجامعة طيبة على السياحة الدينية، وجامعة الباحة على الثروة الزراعية والاستثمار المائي، تماماً مثلت ما فعل جامعة البترول والمعادن في المنطقة الشرقية عندما ركزت على البترول، كيف سيكون وضع السعودية بعد سنوات؟.
متى ما فعلت الجامعات من رسائل الماجستير وجعلتها دراسات جدوى لمشاريع استثمارية في البلد، أو جعلتها عوامل تحفيز لتغيير المجتمع، وتحويله إلى مجتمع قائم على الصناعة أو الزراعة أو التقنية من خلال الأبحاث والدراسات التي تخدم المجتمع المحلي، وتكون هذه الدراسات ذات قيمة للوطن، عندها سيتغير وضع المجتمع ونرتقي للأفضل.
الجامعات وإمارات المناطق وجهان مكملان لبعضهما يستطيعان خلق أكبر تطوير في المنطقة إذا ما توافقت جهودهما، فالدراسات التطويرية تنبع من الجامعات، والتطبيق العملي يبدأ من الإمارة، من خلال جلب المستثمرين، وتسهيل العقبات أمامهم، وتقديم دراسات الجامعات كنواة لبدأ أعمالهم، متى ما كان هذا التوافق سنحقق عندها أضخم تطور تماماً كما فعل أجدادنا من الصحابة، أما إذا اختلفت الجامعة والإمارة، أو ركزت الجامعة على دراسات لا تفيد اقتصاد المنطقة، فلن نتغير ولن نتطور، وستبقى الإدارة المحلية للمنطقة على ذات النسق بدون أي تفكير في استثماري حقيقي.
هذه التدوينة مجرد بداية فكرة، أسوقها هنا لكي تصقل وتكون قابلة للتطبيق، فغياب الجامعات عن دورها الاجتماعية سيجعلنا في ذات المكان، ولن يحقق الفائدة المرجوة من الجامعات، فتطوير المناطق من وجهة نظري مهمة تبدأ من الجامعات.