هذه هي الحياة سجال بين ولادة ووفاة، ويوم تكون فيه معنا، ويوم نفتقدك للأبد، ولا نذكر إلا محاسنك، الجميع بلا استثناء تأثر برحيل الرجل المبدع، والصانع الحقيقي للسياسة السعودية، الأمير سعود الفصيل، فرحيله خسارة للوطن، وخسارة لنا جميعاً، فسعود الإنسان والسياسي المحنك صنع الفارق وترك بعده أرث كبير من الصعب تحمله، وسيرة عطرة لا يستطيع أي وزير خارجية تعويضها.
سعود الفيصل كان عنوان صريح للإتزان السياسي، والحنكة والحكمة والتروي، والحزم والعزم في الموقف، خرج بسياسة السعودية إلى بر الأمان في كثير من المواقف، وصنع مع خمس ملوك سعوديين ما لم يصنعه أي رجل آخر من رجالات الدولة.
سعود الفيصل رجل دولة من الطراز النادر جداً، يستحيل العثور على مثيل له، ورحيله سيترك فراغاً كبيراً في السياسة السعودية، فهو المتحدث الرائع، الذي يتكلم سبع لغات، من ضمنها اللغة العبرية، وكأن لسان حاله يقوم “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”، فهو استوعب جيداً هذه المقولة، ليتعلم لغة عدوه، وأثبتت مواقف كثيرة كيف كان يستخدم معرفته للغة واجادته لها في احتقار الخصم، حيث كان يبعد جهاز الترجمة عن أذنه عندما يكون في اجتماعات الأمم المتحدة التي يكون لاسرائيل تواجد فيها، ليبين أن كلامهم لا يهمه، وهذا يدل على حكمة عالية وعدم اعتراف بهم.
سعود الفيصل أحد الشخصيات التي تجمع خصائص عديدة، من يتأملها لا شك سيستفيد في حياته العملية كثيراً، من أهم هذه الخصائص الجد والاجتهاد، فهو غالباً ما يكون متنقلاُ بين دول العالم لتحقيق نصراً سياسياً جديداً، ومنها الاحترام العالي للوقت، فنادر ما تجد هذا الرائع متأخراً عن اجتماع، ومنها الإخلاص في العمل والحرص والإيمان به، لذا صنع من سياسة السعودية نموذجاً عالياً من الإتزان.
رحل رجل السياسة الأول في السعودية، ورحيله لا شك يؤلم، كما كان وقع ضهوره الأول بعد اصابته بمرض باركنسون مؤلم للجميع، فهو يبقى له مكانة عالياً في قلوب الجميع، فهو ابن الشهيد، الذي أخذ من والدة جميع صفات القوة والحكمة، والحب للدين والعقيدة، وابن عفت الثنيان السيدة التي صنعت مكانة للمرأة في السعودية، ودعمت تعليم الفتيات بكل ما تملكه من قوة، فهو أخذ منها الإصرار والعزم والإيمان بالقضية إلى أن يتحقق الإنجاز.
رحمك الله يا سعود الفيصل فقد اتعبت من جاء بعدك.