لم يعد للبشت قيمة، هكذا يقول حالنا الجديد، فأغلب الوزراء الجدد ممن لم يعتادوا لبس البشت في كل وقت، وممن اعتادوا على ممارسة حياتهم الطبيعية بعيداً عن منغصات وهموم الحياة العامة، لهم من تجارتهم وأموالهم أكبر الحظ والنصيب، وبالتأكيد تجارتهم مبنية على آمال وطموحات الناس، وتستمد قوتها من مدخراتهم وأموالهم.
بعضهم لديه أفكار سابقة، ورؤى وتطلعات، ولا ندري هل تستمر هذه الأفكار أم تنتهي مع انتهاء حالتهم من الخاص للعام، ومع تبدل مستقبلهم، هل يستطيعون صناعة شيء للتاريخ عجز عن صناعته أسلافهم، أم يبقى حالهم كما كان عليه، ويكون البشت مجرد رحلة في حياتهم، تماماً مثل الدخول للشبكات الاجتماعية.
في لحظة تحول من مواطن إلى صاحب معالي، من رجل عادي إلى رجل مهم، من رجل بعيد عن الأضواء إلى رجل تتابعه الأضواء، وأصبح الماضي الاجتماعي أول وسيلة لمعرفة الآراء، فالشبكات الاجتماعية أصبحت من أهم وسائل التعرية أمام المجتمع، والمجتمع الافتراضي يلهث وراء هذه الفضائح ويرغب في معرفتها، لتتحول حياتنا إلى مفهوم الصحافة الصفراء.
أصبحت أخبار الحوادث، وأنباء المشاكل النفسية، والمشاكل الشخصية، والعقد والأهواء، هي المحرك الرئيسي لصالة الأخبار، وهي العامل الأول لجذب الناس، فبقدر قدرتك على أن تفضح غيرك بقدر ما تكون النجم المفضل لدى الافتراضيون، وبقدر ما تعرف كيف تنبش الماضي بقدر ما تزداد شعبيتك.
انتهت حياته كمواطن، وبدأت حياة مختلفة تماماً، حياه مسؤولياتها أكبر، حياة أنت محاسب فيها سياسياً على كل كلمة تقولها أو سبق أن قلتها، أنت مطالب بأن تكون أكثر اتزاناً، وأكثر دهاءً وحكمة، أنت مطالب بالإنجاز، وبتحمل مسؤولية وبتحقيق الرفاهية للمجتمع، وأول أمر أنت مطالب فيه هو تنظيف ماضيك، وتطهير حساباتك في الشبكات الاجتماعية.
بين الرغبة في التعالي ورحلة المعالي، شعرة كشعرة معاوية، تحتاج لعزيمة واصرار، ورغبة داخلية كالبركان الثائر في خدمة الوطن والمواطن، وفي التخلي عن الهم الخاص واستشعار الهم العام، فإذا انقطعت هذه الشعرة وكان التعالي هو العنوان خرجت بخفي حنين من المعالي، لتلحق من كان قبلك غير مأسوف على ذكرك.
بالتأكيد صدمة الافتراضي أقوى من بشت المعالي، فمتى ما استطعت التغلب على هذه الصدمة، متى ما استطعت الوصول إلى بر الأمان والتفرغ لتحقيق المأمول منك، الذي أتمنك ولي الأمر عليه، وطالبك بمراعاة مصالح الناس.