لو نتأمل بعض الولايات الأمريكية، بغض النظر عن كون الحكومة فدرالية، وأن كل ولاية لها حكمها الخاص، سنجد أن كل ولاية تتميز عن الولاية الأخرى بشيء يخصها، إما بنواحي طبيعية، أو نواحي تصنيعية، أو نواحي سياحية، أو غيرها من مقومات التنمية، وتجد كل ولاية يقوم اقتصادها على ما تتميز بها، وبالتالي تجد أن سكان الولاية يستفيدون من المقومات الاقتصادية التي تستند عليها الولاية، وتجد الحراك الاجتماعي والتعليمي في هذا الاتجاه.
ولو عندنا وأسقطنا الواقع الأمريكي علينا في السعودية، ستجد أن كل منطقة لها مقوماتها الطبيعية والاجتماعية المختلفة عن المنطقة الأخرى، ولكن لا تجد أن هناك استفادة من هذه المقومات، وفي المقابل تجد هجرة إلى المدن الرئيسية للاستفادة من المقومات المختلفة لها، مما يسبب تكدس في الوظائف في المدن الرئيسية، وتكدس الصناعات أيضاً في المدن الرئيسية فقط، وهذا يتعارض مع مفهوم التنمية الشاملة.
ولو قرأت في الإعلانات الرسمية لمعدلات البطالة تجدها تكتب بشكل عام أي نسبة البطالة (11.5%) تغطي السعودية بشكل عام، وفي المقابل لدينا من الوافدين ما يقرب من (9) ملايين وافد على مستوى الوطن، وهذه القراءة لمعدل البطالة وعدد الوافدين الخلل الحقيقي، وأين من الممكن أن توجه التنمية، حيث أنها تتكلم عن دولة مترامية الأطراف، فيها (13) منطقة إدارية، وفي ذات الوقت تسلط هذه القراءة بشكل عام على الدولة بدون الغوص في التفاصيل لإيجاد الحلول الناجعة.
ولكي نغوص أكثر في موضوع البطالة، ونعرف تفاصيلها، سنجد أرقام مذهلة، حدثنا د. عبدالرحمن الزامل رئيس غرفة الرياض في إحدى لقاءات ديوانية الدغيلبي عن أن نسبة البطالة في منطقة الجوف تصل إلى أكثر من 25% حسب احصاءات الغرفة التجارية، وتأمل هذه المعلومة وحدها كفيل بأن يعيد حساباتنا في وضع البطالة في السعودية، ويبين الحاجة إلى أن نعيد حساب نسبة البطالة على المناطق الإدارية، لأنها ستعطينا صورة أشمل عن وضع القوى العاملة ونسب البطالة.
ورسالتي هنا لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية السعودي، الذي استبشرنا خيراً بتأسيسه، هو إعادة صياغة تعاملنا من الأرقام والاحصاءات، وإعادة قراءة وضع مناطق السعودية الإدارية من حيث تسليط الضوء أكثر على معدلات البطاقة في كل منطقة، وتوزيع القوى العاملة والتخصصات لهم، وحجم الوافدين في كل منطقة وتخصصاتهم ومجالات عملهم، وحث الجامعات على المساهمة في تقديم هذه الأرقام بصورة مختلفة، لأن كل ذلك سيكشف عن جوانب مختلفة عن مناطق السعودية وبالتالي يسهل توجيه التنمية.
إعادة توجيه التنمية إلى المناطق وتفعيل اقتصادها الحقيقي سيكون رافد أساسي لرؤية السعودية 2030، فلو نظرنا بتأمل لمدينة الطائف وهي مصيف الوطن، لوجدنا أنه بالرغم من قربها لمدينة مكة المكرمة لم يستغل مطارها بشكل صحيح، ليكون رافداً لمطار جدة، وبوابة ثانية للحرمين الشرفين، وأيضاً هناك مدن أخرى مثل النعيرية والمجمعة وليلى والجوف، لها مقومات تستوجب تحويلها لمركز جذب لطالبي العمل.
لكل منطقة إدارية من مناطق السعودية خصوصيتها، ولكل مدينة نشاط اقتصادي تشتهر به، وفي المقابل هذا النشاط غير مفعل بشكل أساسي ليكون رافداً أساسياً للتنمية، ومن ثم فإعادة توجيه التنمية للمناطق الإدارية التي تحتاجها أكثر، سيسهم بشكل رئيسي في تنويع الاقتصاد، وهذا سيوقف الهجرة للمدن الرئيسية، وسيعود بشكل ايجابي على الوطن، وسيسهم في تحقيق رؤية السعودية 2030.