أسدل الستار أخيراً على الاتحاد الأوروبي، وقال الشعب البريطاني كلمته التي تحترمها ديمقراطية الدولة، وديمقراطية الاتحاد، قال لا للبقاء في الاتحاد الأوربي، وبدأ التحالف الذي لم تكن بريطانيا من مؤسسيه في الاستعداد لخروج بريطانيا، ولم يكن هذه هو التصويت الأول للخروج، ولكنه التصويت الفيصل الذي حسم الأمر.
الاتحاد الأوروبي تأسس على يد ست دول هي (ألمانيا، إيطاليا، بلجيكا، فرنسا لوكسمبورغ، هولندا)، وتأخر دخول بريطانيا للاتحاد لمدة (16) عام بعد التأسيس، حيث أن الشعب البريطاني يرى أنه جنس يفوق أوروبا، وأنه يجب أن يكون مستقلاً عنهم، لذا لم تتغير عملة بريطانيا مع الانضمام للاتحاد، ولم تتغير إجراءات الدخول لها، لتبقى مستقلة عن الاتحاد الأوربي.
“من مل زيارة بريطانيا فقد زهد في الحياة وكره التاريخ”، هذه المقولة التي أحب أن أرددها، فبريطانياً خليط من الثقافات المختلفة، والتاريخ العريق، وأنفاس الإمبراطوريات القديمة، على عكس كل دول القارة الأوروبية، بالإضافة إلى أن بريطانيا ترحب بالجميع ما عدا التعصب وقت المباريات، فالجمهور البريطاني مختلف باختلاف أهوائه.
في السنوات الأخيرة عصفت الكثير من الأزمات في الاتحاد الأوربي، ومن أهمها أزمة اليونان الاقتصادية، فالتكاتف الاقتصادي بين دول الاتحاد جعل من الدول الكبيرة المؤسسة للاتحاد هي من تحكم التوجه الاقتصادي، لذا وفي حالة الكساد الذي حصل في اليونان وأزمة الدين اليوناني والذي يتطلب اجراءات معينة، كان التنفيذ من الحكومة اليونانية يخالف هذه الإجراءات، لأن الوضع الاقتصادي للاتحاد يتحرك بناءً على اقتصاد ألمانيا وفرنسا، وهذا يعني أنه ستتخذ إجراءات ليست في مصلحة اليونان.
أزمة اللاجئين التي حدثت خلال السنتين الماضيتين وضعف الحلول الأوربية تجاهها، ألقت بضلالها هي الأخرى على وضع بريطانيا، وكانت من المسببات التي أدت إلى رغبة بريطانيا بالرحيل من الاتحاد، وبالرغم من أن بريطانيا هي المستفيد الأكبر من البقاء، إلا أن الشعب فضل الانسحاب مع كل التراجعات التي حدثت على العملة وعلى اقتصاد البلاد.
بعد سنتين فقط من دخول بريطانيا للاتحاد الأوربي، صوت البريطانيون على الخروج، ولكن الكلمة الأبرز كانت للبقاء، واليوم بعد أن أعيد التصويت وكان خيار الخروج هو الخيار المفضل، تقف بريطانيا أمام عتبة تاريخية مهمة، وربما تفتح عليها الكثير من الجبهات من أهمها جبهة ايرلندا الشمالية، وتضع بذلك الاتحاد الأوروبي على المحك، فدولة بحجم بريطانيا لها ثقلها وكلمتها العالمية والاقتصادية سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الأوروبي.
الاتحاد الأوربي فشل في الكثير من قراراته السياسية والاقتصادية، ومعالجة الملف البريطاني قد تؤثر سلباً على استمراره، وربما تؤدي إلى تفكك هذا الاتحاد، ففي تصريح للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تعليقاً على نتائج التصويت بأن الاتحاد الأوروبي على المحك فإما التفكك أو تأكيد الوجود، فهل يستطيع الاتحاد تخطي هذه الأزمة، وأيضاً ألمانيا وفرنسا أكبر دولتي في الاتحاد، والكلمة العليا لهما في كل شيء، واتحادهما يعني بقاء الاتحاد الأوروبي، فهل تستطيع الدولتين معالجة الملف البريطاني في اجتماعها الاثنين القادم الذي يعقب اجتماع الدول الست المؤسسة للاتحاد يوم السبت.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أن القوة الاقتصادية الكبرى عالمياً سيخفت صوتها، وربما أدى ذلك إلى خروج دول أخرى من الاتحاد، حيث سحبت سويسرا طلب عضويتها في الاتحاد، وهناك تصويت في هولندا حول الاستمرار أيضاً، ولن تكون المواقف المشتركة بين الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة الأمريكية ممكنة، حيث أن بريطانيا هي الضابط الوحيد لهذه العلاقة.
تبقى بريطانيا هي التاريخ والحضارة حتى لو نأت بنفسها عن رخاء الاتحاد الأوروبي.