(1)
ننهي بعض الأحيان تعاملنا مع شخص معين لأنه لا يحترم تصرفاته، ولا يمتنع من استغلال طيبتنا بغوغائيته، لكن نبقى نتعامل مع أبنائه ولا نحملهم وزر أباهم، وهذه هي العلاقة المنصفة والعادلة، فمهما فعل الأب لا ذنب للأبناء في ذلك، نبقى مع الأبناء ندعمهم ونؤيدهم، ونعينهم على رعونة تصرفات أباهم، فالود موجود، وتصدير المشكلة لمستويات دنيا ليس من الأخلاق في شيء، نحن بذلك وكأننا نبعث برسالة ود مغلفة بشيء من الألم على ما يقوم به الأب.
(2)
رسالة الود لها معنى آخر، معناها أننا معكم وسندكم عند كل مكروه، وأنتم أيضاً معنا وسندنا عند أي مكروه، لكن لم نعد نضمن أن أباكم لن يسير بكم إلى أرض موحلة، وأرض لا تستطيعون النجاة منها، ولا نستطيع نحن حماية أنفسنا من تصرفاته، لذا نحن نحاول أن نحميكم كما نحمي أبنائنا من تدهور الأحوال وسوء المنقلب، ونحن بذلك نضمن السلامة لنا ولكم.
(3)
قال الشاعر “وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة على المرء من وقع الحسام المهند”، وصور الظلم كثيرة منها أن تتنكر لم كان العون والسند الدائم لك، وأن تحاول أن تضره، وتحاول أن توجه له طعنة الغدر من الخلف، فهذا التصرف أشد من أن تقتل القريب أو الجار أو الصاحب، فهو قد وثق بك وأتمنك على باب داره، فلماذا تحاول النيل منه وهو لم يحاول أبداً أن يخذلك، بل أقفل باب تجارته المشابه لتجارتك الوحيدة، لكي تربح وتستطيع أن ترفع من مستوى أبنائك المعيشي، وأنت توجه له خنجر الغدر في كل زمان ومكان.
(4)
الحزم أيضاً نوع من الود، والعزم شكل آخر للود، فإذا قسوت عليك لا تعتبر قسوتي للإطاحة بك، وإنما رسالة ود لك لتعود إلى طريق الحق وجادة الصواب، فأنا جزء منك، وأنت جزء مني، وكلانا لا يستطيع الاستغناء عن الآخر، فلا تستبح حرمة داري بدعم من لا يود بقائي، ومن يحاول أن يقضي علي، أنت الباب الأول لأمني، وأنا السند الأقوى لك، فلن تجد صدراً يحنو عليك مثلي، ولن تجد أمناً عند غيري، فمثل ما أنت بوابة أمني، أنا أيضاً بوابة أمنك.
(5)
ستبقى أخي مهما فعلت، وأبقى شقيقك الأكبر الذي يرى تقدمه من خلالك، ويستمد قوته منك، أنت أنا وأنا أنت، كلانا للآخر سند، فلا تمنح لأعدائي الفرصة ليأتوني من قبلك، فأنت عضدي وشريكي، وأنت السيف الذي أضرب به رأس كل غادر، فلا تكون السيف الذي أضرب به نفسي.
يقول الشاعر:
“أخوي لا ضآق الفضآ والدهر شأن **** يبقى على سود الليآلي عضيـدي
آضرب بسيفه هيبة الآنس والجآن **** وآسقيه لمنه ضمأ مـن وريـدي
لآجيت له ضآيق وتأيه وزعـلآن **** آرجع وآنا بأسبآب شوفه سعيدي”