لسنتين أو ثلاث خلت تكرر علينا رمضان بمشاهد القتل، فحكاية القتيل في بريدة تبقى محيرة جداً ومثيرة وجالبة للأهتمام من ناحية أخرى، وربما هي مؤشر يجعلنا نسأل إلى أين يتجه مجتمعنا؟.
لم يتحول المشهد إلى ظاهرة بعد، وإنما تكرار هذه الحوادث وفي الشهر الفضيل شيء مزعج، وعلاوة على ذلك بات الناس يستقبلون شهر رمضان بمقاطع العنف والشجار، وكأنهم متيقنين أن الصيام هو السبب الرئيسي في كل ذلك، وأن مجتمعنا يتصف بالسلبية أكثر من الايجابية المنتشرة به.
زيادة مساحة التواصل، وسهولة تبادل المقاطع، هي بالتأكيد السبب الرئيسي في تركيز الضوء على الممارسات السلبية في المجتمع، فالهواتف الذكية ساهمت في إظهار هذه الممارسات للعلن، بعيداً عن كل حياد، بل وركزت الضوء عليها، وأصبحت هذه المقاطع تصل للعالم أجمع، من بوابة خريطة سناب شات، أو من مقاطع الوتساب والتي تنتشر كالنار في الهشيم.
أكاد أجزم أن مجتمعنا لا يركز إلا على السلبية، فلم يصلني من بداية رمضان حتى الآن أي مقطع مجتمعي يبين بعض النواحي الايجابية في المجتمع، من مشاهد تفطير الصائمين، أو التزام المصلين، وربما من أشهر لم أشاهد أي مقطع ايجابي، مقارنة بوفرة المقاطع السلبية والتي تظهر جزء من الهمجية وعدم المبالات، وكأن المجتمع كاملاً يتصف بهذه الأخلاق.
من وجهة نظري الإثارة والانتشار لا تأتي إلا مع المقاطع السلبية، أما الايجابية فلا يلقي لها أي اهتمام بل تتجاهل برمتها، وربما من منظور متفائل نجد أن الايجابية هي السمة البارزة لمجتمعنا، لذا يكون التركيز على إظهار السلبية أكثر، حتى بات للمقاطع السلبية عشاق، يفضلون مشاهدتها وارسالها أكثر من ارسال موعظة دينية تعود عليهم بالأجر.
إذا نحن نتبادل المقاطع السلبية بكل شغف، ونفضل مشاهدتها على أي شيء آخر، وربما أعزوا هذا الأمر لأننا لم نعتد كثيراً على مشاهدة السلبية، فلم أواجه من بداية رمضان حتى الآن شخصان يتعاركان على قارعة الطريق، بالرغم من أن هناك مقاطع كثيرة بثت من أول رمضان عن هذا، وربما نستنتج أن هذه التصرفات لا تزيد عن كونها فردية ولا ترتقي لتكون ظاهرة مجتمعية.
من جهة أخرى المتأمل والقارئ للروايات التي تصف الحقبة الزمنية في السعودية من السبعينات إلى التسعينات الميلادية يرى أنها استعرضت سلبيات تلك الفترة، وركزت عليها ومن أشهر أمثلتها ثلاثية أطياف الأزقة المهجورة لتركي الحمد، التي سلطت الضوء على تلك الفترة سواءً في الدمام أو في الرياض، ونجدها استعرضت بعض الأحداث من غزل ولقاء وأمور أخرى يصعب المجال لذكرها هنا، وبالرغم من قوة الطرح في الروايات ووجود إيجابيات كثيرة في السرد الروائي إلا أنه لم ينتشا منها إلا سلبيات المجتمع.
أيضاً مسلسل العاصوف لا يخرج عن هذا الشيء، فبالرغم من كل الأمور الايجابية التي كانت ضمن ثنايا حلقات المسلسل مثل المحافظة على الصلاة، ودروس القرآن في المسجد، والاهتمام بالتعليم، ومساعدة كبار السن، وصلة القربي، وبساطة المجتمع، والعطاء والصدقة، وهذه خطوط درامية واضحة في المسلسل، لم يشدنا إلا الخطوط السلبية مثل اللقيط والغزل، وهذا ما نريد أن نشاهده، فلو أغفل المسلسل هذين الخطين الدراميين لما شدنا متابعة المسلسل ولقلنا أنه مجرد هراء.
من ما سبق استنتج شيء واحد فقط أننا نكبر التصرفات السلبية ولا نحاول وأدها لكي لا تنتشر، ولا نمجد الايجابيات لكي يستمر المجتمع بالحفاظ عليها.