هي حكمة قديمة خلدها الشاعر خلف بن هذال في قصيدة مليئة بالحكم يقول مطلعها “توكلنا على الله والله اللي يقضي الحاجات”، والحكمة تدل على معاناة قائلها مع الغدر، بعد أن كان شديد الرحمة بالطرف الآخر، الذي ما إن أتت له الفرصة حتى أصابته سكين الغدر، وأجهز عليه وهو يتوقع أنه في مأمن من الشر.
“ولا تامن لفروخ الداب لو عاشن وابوهن مات
يجن الصبح بانياب تنسل كنها انيابه”
خلف بن هذال
يلخص خلف بن هذال القصة في بيت واحد، يكتنفه الابداع والحكمة، ويلخص جملة من الدروس الحياتية، ومجوعة من عبر السنين التي لم تأتي من فراغ، بل كانت خلاصة للكثير من التجارب.
ولكي يكون البيت واضحاً، فالمقصود بـ “الداب” هو “الثعبان”، و “فروخ” هي صغار أو ابناء الثعبان، وهو في الشطر الأول يشدد على أهمية الحذر من المكان الذي يموت فيه الثعبان، أو أن تقتل الثعبان وتأخذ أبناءه، فهنا لا تستطيع أن تكون بأمان لا في مكان موت الثعبان ولا من أبناءه وإن كانوا أقل خطورة بكثير منه، حيث أن أخذ الحيطة والحذر واجب، ويوضح الشطر الثاني من البيت سبب ذلك في عبارة واحدة، بأن ابناء الثعبان وعلى حين غفلة منك سيلدغونك من حيث لا تتوقع، فلهن ذات الأنياب التي لوالدهن أو أمهن، فأنت هنا ستفتح باب آخر عليك لا تعلم كيف ستتجنب شره.
هذه التجربة الحياتية المختصرة تعلمنا الكثير، فالثعبان لا يؤتمن جانبه حياً أو ميتاً، وكذلك بعض البشر، فمهما تكن لبعضهم من احترام وثقة، وتحاول أن يكون صاحباً لك تأتمنه على اسرارك، وربما تخلص النية له، وأحياناً لا تعطيه سراً، لأنك ترى فيه بعضاً من الشر تحاول أن تتقيه، إلا أنه يأتيك في لحظة لا تتوقعها ويغدر بك، لأن الغدر هو سمته.
وربما في كثير من الأحيان، يبتعد مصدر الشر، وتتأكد أن الحياة بدأت تتجه لتكون أفضل بعد رحيله، إلا أن هناك بعض الفلول التابعة له، تأمنهم بطيب نيتك، ولا ترى فيهم شراً، إلا أنهم يتحينون الفرصة حتى يوجهون لك يد الخيانة، التي تفسد ثقتك بالعالم أجمع.
هذه الحياة لا نستطيع أن نقول أنها وردية بالكامل، ولا نستطيع أن نقول أنها عين الخبث، لذا فالموازنة بين البشر مطلوبة دائماً، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، لذا كنت متزناً في علاقاتك، وأحذر كل الحذر فلا تعلم من أين يأتي الغدر، ولا تذكر “لو خليت خربت”.
