استعرضنا في التدوينتين السابقتين الثورة الصناعية الرابعة وبعض عناصرها، ثم تطرقنا إلى تأثيرها على حياتنا اليومية، واليوم سنتطرق إلى تأثيرها على الحكومات، فالحكومة التي لا تساهم في التحول سريعاً لا تستطيع أن تبقى، بل تشيخ وتهرم ولا تكون من ضمن الدول الأولى.
فلو استعرضنا الثورات الصناعية السابقة كيف أن الحكومة التي استثمرت في مخرجات هذه الثورات كانت من ضمن دول العالم المتقدمة، أما الحكومات التي لم تستثمر في ذلك صارت هي دول العالم الثالث، فالحكومة التي لم تستثمر في ذلك تراجعت أهميتها وقل تأثيرها وخرجت من دائرة التاريخ.
لا يوجد أي تصور دقيق يوضح كيف ستكون الحكومات في عصر التكنولوجيا، وإنما هناك اجتهادات من هنا وهناك لمحاولة تحقيق هذا التحول، ففي سلوفينيا استحدثت الحكومة هوية رقمية لجميع المواطنين تتيح لهم تنفيذ العمليات، والتسجيل في هذه الهوية يتم برفع صورة شخصية مصورة من كاميرا الجوال بالإضافة إلى بطاقة الهوية وبعدها يحولها النظام إلى هوية إلكترونية.
أيضاً قامت الحكومة الاستونية بطرح ما يسمى بالجنسية الرقمية الاستونية، فلا حاجة لتواجدك على ارض استونيا لطلب الجنسية، وإنما تستطيع من أي مكان طلب الجنسية الرقمية الاستونية من خلال الإنترنت، ومن ثم تستطيع تأسيس شركة في استونيا، وتحويل الأموال باليورو إلى أوروبا، والحصول على عنوان افتراضي في استونيا، وعلاوة على ذلك تتمتع بأي مزايا يتمتع بها المستثمر الأوروبي، وتصبح محمي بموجب قانون الاتحاد الأوربي، ولا تنسى أن ستدفع الضرائب.
وفي السعودية تستثمر الدولة في مشروع مدينة “نيوم” والتي ستصبح رقمية بالكامل، وستدخل في العالم بإصداره الرابع من أوسع الأبواب.
وينبغي على الحكومة لكي تستمر في العالم الرابع، أن تتوجه لتكون مشرع ومنظم ومراقب أولاً، ثم تستثمر في المشاركة المجتمعية، وتتحول إلى منصة رقمية متكاملة، بالإضافة إلى اختصار الأعمال، بل وحتى اختصار التشريعات، وإنشاء مختبر للتشريعات يساعد على سرعة إصدار التشريع الذي يناسب التغير التقني، ولا ننسى العنصر الأهم وهو مشاركة القطاع الخاص من خلال إعادة ابتكار أساليب تقديم الخدمات.
ومن أهم عناصر الثورة الصناعية الرابعة هو البيانات المفتوحة، لأن اتاحة البيانات تساعد في تمكين العقول والباحثين في سبر غمارها، والبحث عن المشكلات وإيجاد حلول لها، فاليوم أصبحت الدولة التي لا تتيح بياناتها لن تنجح في المنافسة في مصاف دول العالم الأول.
ونستطيع تلخيص ما نحتاج لعمله لكي تنجح الحكومات في الثورة الصناعية الرابعة، فأولاً نحتاج للاستثمار في العقول الشابة، ورفع مستوى تعليم الرياضيات والعلوم من الصفوف الأولية، والاستثمار أكثر في الجامعات والدراسة عن بعد، وتكريس الاستثمار التقني لأنه هو عصب المستقبل.