عندما يبدع أحدهم ويتألق، فهو يتوقع أن يشيد الآخرون بإبداعه، وأن يقال له أحسنت، ربما تكون المكافأة المادية مطلب، ولكن الأهم منها المكافأة المعنوية، والإشادة بما قدم، وشكره، والاحتفاء بإنجازه، أما تجاهله فسيقتله داخلياً، ويصبح غير قادر على العطاء، ستنتهي هذه الروح التي تألق بها، وسينتهي الابداع.
أما أن تبحث عن أخطائه، وتسلب خصوصيته، وبدلاً من أن مكافأته على ابداعه ونجاحه، تقوم بالتنديد به، والترصد له، ومحاولة النيل منه، وقتل هذا عناصر الابداع، وتحطيم النجاح، فهذا لا يؤثر على المبدع فقط، وإنما سيؤثر على جيل برمته، وسيجعل المبدعين من أمثاله يحسبون ألف حساب قبل أن يفجرون إبداعاتهم، وينتصرون لبلدهم.
ما دفعني لهذا الحديث هو الخبر الذي قرأته عن الحكومة الإيرانية تحت عنوان “الإيرانية التي فازت بالبطولة فأصدرت طهران أمرًا بالقبض عليها!” والسبب بسيط جداً، لم تستطع الحكومة الإيرانية صرف النظر عنه، وارشادها بأن هذه هي القوانين، السبب يكمن في أن اللاعبة ارتدت قميصاً بدون أكمام وسروالاً قصيراً، بالرغم من أنها فازت في مباراة للهواة على إحدى اللاعبات الفرنسيات.
كيف لدولة تعامل رعاياها بمثل هذا الأسلوب أن تكون مكان مناسب للحياة، فهي لم تراعي ما تحقق على أرض الواقع، وحاسبت اللاعبة على حرية شخصية لها، هذه الحرية لم تخالف بها قانون أو أسلوب حياة، بل قدمت ما لديها، وامتثلت لتعليمات السلطات هناك، ولعبت مباراتها خارج الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى أن لم تخترق قوانين البلد التي أجريت فيه المباراة، هي نفذت ما طلب منها من الإدارة الرياضية هناك، وتكون مكافأتها على النجاح هو الاعتقال.
الإبداع أمر صعب، ويحتاج رعاية من أطراف عدة في مقدمتها الدول، وعدم احتضانه بشكل جيد، بل وإرهاب المبدعين ينم عن وجود عقلية إقصائية، بل وقمعية، ويدل على أن هناك حكومة غير قادرة على توفير الحياة الكريمة لمواطنيها، فكيف تريد أن تكون من ضمن الدول المتقدمة.