في سنواتك الأولى لا يعجبك عمرك وتحاول أن تزيد سنوات على عمرك لتبين للجميع كم أنت كبير، وعندما تتجاوز العشر سنوات تبدأ ببعض الاقتناع، ولكن تتمنى أن تنتهي الدراسة، وتنتقل إلى مراحل أخرى، تنظر بشغف للجامعة وما بعدها.
وعندما تصل إلى الأربعين، وتبدأ تلك الخصل البيضاء تنسدل على جبينك، تدرك أن ما مضى من حياة لا يعادل ما بقي، تدرك أنك بدأت بالتفكير بشكل مختلف، فلم تعد ذلك الفتى المندفع الذي لا تبالي بالعواقب، وتبدأ تدرس كل خطواتك بدقة، وتعرف أن ما لم تدركه في الثلاثين، سيكون إدراكه بدرجة أصعب في الأربعين، وتبدأ بملاحظة من حولك عندما تسمع أسماء لم تعتدها من قبل، فتجد من يناديك (عمي)، وتبقى تقاوم ذلك على مضض، وتضع نفسك في خانة الإنكار.
ليست الأربعين بالهينة، فهي تختلف عما سبقها، ربما أصبحت أباً، وترعى أسرة، وتتذكر كم كنت تنتقد أباك في الكثير من التصرفات، ولكن أدركت متأخراً أنه كان على حق، فهؤلاء الأبناء يكررون ذات الصنيع معك، وأنت تحاول أن تكون وسطاً بين جيل لا تعرفه يعيشه أبنائك، وبين الجيل الذي تعودت عليه، والذي تعرف كيف تخوض غماره.
ولكن ليست الأربعين هي نهاية المطاف، وإنما هي حياة جديدة ومختلفة عما سبقها، حياة تخرج فيها من سطحية التفكير، إلى نضوج الفكر، ومن ضيق الأفق، إلى اتساع التفكر، ومن الخوف من القادم، إلى الثبات والاستقرار، فأنت تعلم أنك بدأت في تجاوز سنين الشباب، وبدأت في سنوات الرجولة ورجاحة التفكير.
في الأربعين تأكد أن بحاجة إلى أن تكون إلى الله أقرب، إلى مزيد من العبادة، ومزيد من الرضا الداخلي، ومزيد من الطموح، فليست هي النهاية، وإنما مجرد بداية أخرى لمرحلة عمرية جديدة، فالأنبياء بعثوا في سن الأربعين، فهو سن القوة والحكمة والأناة.