بالأمس ومن خلال “قناة ذكريات”، أطل على مائدة الافطار الشيخ على الطنطاوي رحمه الله في برنامجه القديم والذي يحمل ذات الاسم “على مائدة الإفطار”، ولم يكن الحوار وعظي أو إفتائي، أو كانت أحاديث في أمور دينية، وإنما كان طرحه بخصوص اللغة العربية، والمفترض أننا نكرس إنتاج البرامج التلفزيونية التي تساعد وتساهم في دعم انتشار اللغة العربية، وأوضح في البرنامج الفرق بين لغة ولسان.
وهنا يجدر السؤال بعد كل هذه السنوات، مازلنا نتذكر مائدة إفطار الشيخ علي الطنطاوي الرمضانية، بل ونتبادل مقاطعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يعود لأن الشيخ على الطنطاوي رحمه الله، بالإضافة إلى بساطة الطرح وسهولة وصوله للمتلقي، لم تكن برامجه مركزة على الدين فقط، فهو يدمج الدين بالحياة، ويجوب في المواضيع المختلفة، ويثقف المتلقي بجميع أموره، لذا أحبه الناس، فذكروه وترحموا عليه.
ولعل هذا من أجدر الدوس التي يجب الاستفادة منها، فالمتلقي لا يحبذ الاستماع لأحاديث رنانة، ولغة صعبة، وإنما يريد أن تخاطبه بمستوى فهمه، وتبسط له المعلومة، وأن يكون قلبك رقيقاً، وأسلوب ليس بالغليظ، تماماً كما كان رسولنا صلى الله عليه وسلم في أصحابه، قال سبحانه وتعالى (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) – آل عمران (١٥٩).
وهناك أيضاً العالم المصري مصطفى محمود رحمه الله، والذي ما زالت مقاطعه منتشرة إلى الآن، ويعيد رواد الشبكات الاجتماعية نشر مقاطعه، وهذا يعود إلى أن العالم مصطفى رحمه الله ينتهج ذات الأسلوب، فبساطه طرحه، وعمق مواضيعه، وأسلوبه الشيق، هو ما جعل إنتاجه المرئي يستمر إلى الآن، بالإضافة إلى أنه يوظف العلم لخدمة الدين، فبرنامجه الشهير “العلم وايمان” إلى هذا الوقت يحظى بشعبية.
لم يكن في ذلك الوقت أي برامج تحدد حجم المشاركة، بأن تكون ١٤٠ حرفاً فقط، وإنما كان هؤلاء الرجال، يعلمون كيف يديرون الوقت بشكل يمكن المتلقي من الحصول على المعلومة، ببساطة وسهولة، ولا تكون الحلقة مملة، وإنما تبسيط طريقة العرض، وطريقة الحديث، ومدة الحلقة، مكنت من كسب قلوب الناس إلى هذا الوقت.
يقول الأمام الشافعي “وما من كاتب إلا سيفنى، ويبقى الدهرَ ما كتبت يداه”، الشيخ على الطنطاوي رحمه الله توفي في عام ١٩٩٩، والعلامة مصطفى محمود توفي في ٢٠٠٩، وإنتاجهم العلمي ما زال يتداول، ونذكرهم بالخير ونترحم عليهم، لأنهم لم يكونوا بالمتكلفين، ولا بالباذخين في إنتاجهم المرئي، بالرغم من عمق المعلومة وكثافتها، فلعلها تكون لنا أسوة حسنة.