مع مشاهدة كل حلقة من برنامج الإنقاذ الشهير “911” نستشعر بعظم الفرق بين اهتمامنا في البشر واهتمامهم، فهناك منذ أن يجيد الطفل طرق التواصل مع الآخر يُعلمه والداه المفعول الساحر لهذه الأرقام الثلاثة “911”، يعلماه كيف يطلب النجدة والمساعدة؟، ولا نستطيع القول أنه لن يجد من يجيبه على هذا الرقم، وإنما يجد من يسمع له بإنصات ويتابعه جيداً، ويحدد مكانه ويساعده لكي يصل إلى بر الأمان..
هذه الجودة في الخدمة كنت أتمنى أن أراها لدينا في الرقم المقابل له وهو “999”، كنت أتمنى أن نجد منهم الإنصات الجيد، وحل المشكلة بهدوء، والتجاوب السريع، بدلاً من رمي المشكلة على أشخاص آخرون، أتذكر عندما هاتفتهم بخصوص مشكلة خادمتي أشاروا علي بالتوجه إلى قسم الشرطة، فليس هناك فرق إنقاذ أو مساعدة تحضر أو حتى تتابع مشكلتك وتبقيك على الخط إلى أن تتم مساعدتك، كما يفعل هناك في دولة “911”!، ولو سألت أي متعامل مع هذه الأرقام ذات الثلاث خانات لدينا لوجدت قصص مأساوية عن سوء التعامل والتأخر في إيجاد الحل، كلها سيان سواءً “999” أو “997” أو غيرها، ولكن أن تستشعر حجم المأساة عندما تطلب “993” والمخصص للمرور فأنت متأكد قبل الاتصال بأنك لن تحصل على الخدمة المناسبة إلا بعد ساعات!..
هذا الحديث ليس محاولة لنشر الغسيل وإنما هي انطباعات سواءً من تجارب شخصية أو من قصص أناس سمعتها أو قرأتها ربما فيها المبالغة، ولكن لم أسمع إنصافاً، حتى أننا نستشعر أن الحل لأزماتنا لا يمر بتلك الأرقام، فدائماً نغيبها عمداً عن أذهاننا عند وقوع المشاكل، وهذا ما جعلني أنساها إطلاقاً إلى أن ذكرني فيها جاري “فهد”، بعد معاناة لأكثر من سبع سنوات فأسمعوا قصتي..
دائماً هناك طرق سلمية وأخرى نظامية لحل أي إشكالية، ولكننا دائماً ما نفضل تكريس ثقافة العنف، وأخذ الحق بالقوة وباليد، متناسين أن هناك مثل عربي يقول “يا بخت من نام مظلوم ولا نام ظالم” نردده دائماً ولا نطبقه إلا مع إسرائيل، فبالأمس كنت مع جاري “فهد” نبحث عن حل لجارنا الآخر الذي استنفذ كل طرق المضايقة لنا خلال السبع سنوات الماضية، ونحن ليس لنا إلا تذكر حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ضننت أنه سيورثه”، وهذا يجعلنا نستشعر عظم وجود الجار ووجوب الصبر على مضايقاته، وهنا سؤال: هل كلنا محمد عليه السلام؟!..
خلال السبع سنوات الماضية كان جاري هذا والذي يسكن على بعد أكثر من 300 متر عن مقر سكني، يتعمد الوقوف بسيارته في المواقف المخصصة لنا، مرت السنة الأولى والثانية إلى السابعة وهو لم يتغير، ربما لأنه يسكن على شارع عام ويريد أن يبتعد عن مضايقتهم هناك بمضايقتنا أمام مكان سكننا، وكأنه لم يستشعر “أحب لأخيك ما تحب لنفسك”، ولكن بعد مرور السنوات السبع العجاف أيقنت بأنني وحدي من يستشعر عبارتنا الشهيرة “الرسول أوصى بسابع جار”، فأنا أكثر المتضايقين من عمله هذا، لأنني ببساطة لا أعود من عملي إلا في وقت متأخر فأضطر للوقوف بعيداً عن منزلي، وربما على الشارع العام الذي يهرب منه جاري..
استنفذت كل الطرق السلمية المؤدبة، فأول مره كتبت له ورقة فيها “الرسول الكريم أوصى بسابع جار، ولا نريد أن نضايقك، ولكنك تضايقنا”، بعدها هو أسبوع واحد أصبح يقف بعيداً عنا، وما لبث إلا أن عاد للوقوف مجدداً، تخيلوا معي أن تعود في وقت متأخر من الليل ومعك مجموعة من المشتريات، بالإضافة إلى أن أطفالك نائمين في السيارة، فماذا ستفعل حينها، وأنت ترى أن أغلب المواقف في الحي لا يقف فيها أحد، سوى أمام مكان سكنك، بلغ السيل الزبى، ولم أعد قادراً على امتلاك أعصابي ولسان حالي يقول هل يجب أن أكون دينياً أكثر أو مؤدباً..
كتبت في الورقة الثانية كلمة واحدة فقط “ضايقتنا” ووضعتها على زجاج سيارته، إلا أنه لم يكترث بها، ومر ما يقارب الشهر، فوضعت ورقة ثالثة مكتوب فيها “حسبي الله ونعم الوكيل”، ورابعة فيها نفس العبارة، بعدها قام بالوقوف بعيداً عن مكان سكني لفترة بسيطة، ويبدو أنه يعشق مضايقتنا، ها هو يعود من جديد للوقوف مره أخرى وكأنه يريدها داحس والغبراء..
بعد حركة سخيفة وغير جيدة وتنم عن عدم احترام وتهذيب من جارنا هذا قام بها بالأمس، لم أعد قادراً على الصبر، هاتفت “فهد” وقلت له “سأعود مساءً فهل لديك الاستعداد لإيقاف هذا الجار “البجح”؟”، “فهد” لم يمانع إطلاق، وفي المساء عند الساعة الحادية عشرة كان للتو قد توقف أمام مقر السكن وكنت قادما من بعيد، استخدمت جهاز التنبيه ولكنه لم يلتفت له إطلاقاً واستمر بالمشي تجاه بيته، هاتفت فهد ويبدوا أنه أكثر حنكة وصبراً مني، لم يؤيدني نهائياً لما توجهت إليه واتفقنا على الاتصال برقم الطواري “999”..
المكالمة الهاتفية مع الرقم “999” كانت نهايتها بأن هذا الأمر ليس من صلاحيتهم وعلينا الاتصال بالمرور على الرقم “993”، كنا متأكدين أن اتصالنا بالمرور لن يأتي بأي نتيجة، وإن كان هناك ردة فعل فلن تكون إلا بعد وقت متأخر من الليل، ومع ذلك هاتفنا “993” وشرحنا له الوضع، وطلب منا رقم السيارة التي تضايقنا، وقال اتركوا الموضوع لدينا، اتفقت بعدها مع “فهد” أن يتفقد الوضع الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، إلا أن اتفاقنا لم يكتمل، فبعد أقل من ربع ساعة ونحن نتجاذب أطراف الحديث في الطريق، ونحاول أن نتفق على الخطوة القادمة كيف ستكون؟، ربما لتأكدنا من أن اتصالنا بالمرور لن يأتي بنتيجة، مع وعدهم لنا بأنهم سيسحبوا السيارة، إلا أنها المفاجأة جارنا صاحب السيارة قادم من بعيد؟!..
توقف أمامنا ألقى السلام، وسأل مضايقتكم السيارة؟، أجبنا بالإيجاب وبأننا اتخذنا كل السبل السلمية لإبلاغه بعظم مضايقته لنا، إلا أنه استدرك قائلاً “أبشروا بس ما يصل الأمر للمرور”..
عندما قال هذه العبارة استغربت من طريقة المرور السريعة في التحرك فمن خلال بيانات السيارة لديهم اتصلوا به، وطلبوا منه الكف عن مضايقة الناس، وإلا سيتم سحب سيارته من مكانها، وهذا العمل الجيد من قبل المرور، والأسلوب الممتاز والتجاوب السريع أيضاً لحل هذه الإشكالية، دليل على أننا نسير في الطريق الصحيح لتعديل أوضاعنا السابقة، لا أريد أن أمجد المرور، فإلى الآن لم تحل كل مشاكل سرقة السيارات، وإلى الآن هم يتأخروا في الحضور لمكان الحوادث، وإلى الآن لا يتعاملوا مع أوقات الازدحام المروري بشكل إيجابي، إلا أن هذا التصرف يدل على تطور في التعامل مع مشاكل المواطن..
هذا ما حاولت أن أقوله خلال السنوات الماضية من عمر هذه المدونة، نحن في هذه البلد بحاجة إلى نظام يكفل للمواطن والمقيم على حد سواءً الحصول على حقوقه، بدون اللجوء إلى العنف، فلسنا في غابة نتصارع فيها للحصول على حقوقنا، وللأسف أن هناك من نقل هذه الغابة من واقعنا الحقيقي الذي نعيشه إلى واقعنا الافتراضي في الإنترنت!!..
ترى متى نعي حقوقنا المدنية، ونعرف كيف نحصل عليها..
حقوق الصورة محفوظة لمجلة حقوق الإنسان..
جاري يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا حموده !!